الخرسانة الخفيفة
لقد تم تسجيل أول استخدام حديث للخرسانة خفيفة الوزن عام 1917، عندما قامت شركة الأسطول الطارئ الأمريكي بصناعة سفن بالإفادة من هذا النوع من الخرسانة بسبب مقاومتها وأدائها العاليين. ومذاك ولحد الان، تحولت هذه الخرسانة إلى مادة إنشائية سائدة للتطبيقات المختلفة. لكن ما هي الخرسانة الخفيفة ولِمَ تستخدم هذا القدر في صناعة البناء؟
تاریخ الخرسانة خفيفة الوزن
إن الخرسانة هي مادة إنشائية ثقيلة الوزن نسبيا، لذلك أنجزت اختبارات كثيرة طيلة القرن العشرين لخفض وزنها من دون إيجاد خلل في خصائصها الأخرى. وعلى مدى العقدين 1920 و 1930، تم إنتاج أنواع مختلفة من الخرسانة الخفيفة. إن الخرسانة الخفيفة “دوريسول” التي كانت في الأصل اختراعًا هولنديا- بلجيكيا، استخدمت منذ أواخر عقد ال 1930 فصاعدًا في سويسرا على نطاق واسع، ومن ثم ذاع صيتها وشعبيتها في الكثير من البلدان الأوروبية بما فيها بلجيكا.
وفي مطلع العقد 1920، قام السويدي أريكسون باختبار نماذج مختلفة من الخرسانة الغازية، ووضع الخلطات في الموصدة (آلة الأوتوكلاف) للتسريع في عملية طهيها. وتمكن بهذه الطريقة وعن طريق الصدفة تقريبا من استكشاف الخصائص المحسنة للخرسانة الغازية. وحصل عام 1924 على براءة الاختراع، ووجد بعد خمس سنوات، منتجًا للمواد الإنشائية ويدعى ارل أغوست كارلن، يرغب بالاستثمار في مصنع ما.
وانتشر استخدام هذه الخرسانة في السويد على نطاق واسع منذ عام 1935 فصاعدًا، وتحولت بعد الحرب العالمية الثانية، مباشرة إلى واحدة من أهم المواد الإنشائية في العالم. وتم تصدير مراحل صنع هذه الخرسانة من السويد وبيعت التراخيص إلى كل من النرويج وألمانيا وبريطانيا وأمريكا واسبانيا وبولندا وكندا وبلجيكا وحتى اليابان. ولاحقًا تواصلت عملية تطوير الخرسانة خفيفة الوزن، في أمريكا واليابان بصورة علمية وتطبيقية خلال العقدين ال50 و60.
ما هي الخرسانة خفيفة الوزن؟
إن الخرسانة بالركام ذات الهيكل المسامي هي من أكثر أنواع الخرسانة الخفيفة (Concrete (Lightweight استخدامًا. وتتراوح كثافة هذه الخرسانة ما بين 500 إلى 900 كيلوغرام في المتر المكعب وذلك بسبب استخدام الركام الخفيف والمسامي المُنْفِذ فيها. إن هذه الخرسانة، ليست تؤدي إلى تقليص الحمل الميت للهيكل فحسب، بل تشكل عازلا أفضل إزاء الحرارة والصوت مقارنة بالخرسانة العادية.
إن مقاومة الانضغاط في هذه الخرسانة ضئيلة، لكنها ما زالت كافية للاستخدام في وحدات الخرسانة مسبقة الصب والخرسانة المسلحة للمناطق الزلزالية الخفيفة. إن تراكم الخرسانة المصنوعة من هذا الركام الخفيف والمسامي والمنفذ بما يشمل الصلصال وبرليت وشيل وسليكا واسليت والقطع القاسية والرماد، يمكن ان يخفض من وزن الخرسانة العادية بنسبة حتى 35 بالمائة.
وإضافة إلى خفض الحمل الميت، فان المُعامل المتدني للشدّ والتشكل الكافي في الخرسانة الخفيفة يمكن أن يكون مفيدًا في التصميم الاهتزازي للهياكل. ومن الميزات الأخرى للخرسانة،، مقاومتها العالية للحريق والموصلية الحرارية المنخفضة ومُعامل التمدد المنخفض والتركيب والنقل السهلين بالنسبة لأعضاء الهياكل مسبقة الصنع.
المميزات الهامة
ونتطرق تاليًا إلى أهم المواصفات:
الكثافة المتدنية
وتتراوح كثافة هذه الخرسانة بين 300 إلى 1200 كيلوغرام في المتر المربع. إن الوزن الأخف يعني الاستخدام لأغراض العزل، بينما الحُبيبات الأثقل بمقاومة كافية، هي مناسبة للتطبيقات الهيكلية. إن التراكم القليل للخرسانة الخفيفة، يجعلها ملائمة للوحدات مسبقة الصنع للأرضية والسقف والتي يمكن نقلها من المصنع إلى موقع الورشة بسهولة.
صامدة للنار
اإن هذه الخرسانة تتمتع بمميزات عالية إزاء الحريق. إن الموصلية الحرارية المنخفضة، تجعل هذه الخرسانة مثالية لحماية المبنى من درجات الحرارة المرتفعة.
العزل الصوتي
إن العزل الصوتي في الخرسانة خفيفة الوزن، أكثر عادة من الخرسانة العادية. والسبب يعود إلى الهيكلية المسامية لهذا النوع من الخرسانة.
العزل الحراري
إن العزل الحراري للخرسانة الخفيفة أكثر بنحو ثلاثة إلى ستة أمثال الطوب ونحو عشرة أمثال الخرسانة العادية. أي أنها تحول دون انتقال الهواء الساخن إلى خارج المبنى.
أنواع الخرسانة خفيفة الوزن:
الخرسانة الركامية خفيفة الوزن ((Lightweight Aggregate Concrete
ويتم صنع هذا النوع من الخرسانة خفيفة الوزن بالافادة من الركام المسامي والخفيف بما يشمل الصلصال وبرليت وشيل وسليكا واسليت والمواد البركانية والرماد. وقد يضاف الركام الأضعف إلى الخليط مما يؤثر على نسبة المؤصلية الحرارية.
ومع ذلك، فان إنجاز هذا العمل، قد يقلص من قوة المنتج النهائي. إن الركام الخفيف، ملائم للطوب الخرساني مسبق الصب أو المعززات الفولاذية. والركام الأكثر مسامية، يعطي نتائج ربط أفضل بين الفولاذ والخرسانة مصحوبًا بالمزيد من الحماية إزاء تآكل الفولاذ.
الخرسانة الرغوية ((Aerated Or Foamed Concrete
ويُعرف هذا النوع من الخرسانة بالخرسانة الغازية الأوتوكلاف أو الخرسانة الخلوية أو الخرسانة الرغوية، لانها تُنتج من خلال إدخال فراغات كبيرة في كتلة العجينة الإسمنتية. ويتم حقن الفراغات عادة بواسطة تفاعل كيميائي أو الإفادة من عامل امتصاص الهواء.
وتبدي الخرسانة الخلوية، عزلا حراريًا مناسبًا وهي ذاتية الدمج. وتؤدي هذه الخاصية إلى أن تكون هذه الخرسانة مثالية في المناطق الوعرة وشبكات الصرف الصحي.
الخرسانة الخالية من الغرامات (No Fines Concrete)
لخرسانة الخالية من الغرامات
إن الخرسانة الخالية من الغرامات وكما يوحي الإسم، لا تحتوي على أي حصًى دقيقة، ويتم تصنيع هذه الخرسانة عن طريق إزالة الركام الناعم من الخرسانة العادية، لذلك تُنتج خرسانة مكونة من الفراغات الكبيرة والركام الخشن والماء فقط. ولهذا السبب فان الخرسانة الخالية من الغرامات تحظى بخاصية العزل الأفضل، وتقل فيها نسبة الانكماش الجاف.
إن الخرسانة الخالية من الغرامات، مناسبة للجدران الحاملة ويمكن استخدامها لبعض الهياكل الداخلية والخارجية. وبسبب الكثافة المنخفضة، فانه لا يجب استخدام هذا النوع من الخرسانة الخفيفة في الخرسانة المسلحة.
استخدامات الخرسانة خفيفة الوزن
ويمكن استخدام الخرسانة خفيفة الوزن لتشييد المباني السكنية وغير السكنية في المناطق الزلزالية. كما أنها مناسبة لبناء الخنادق تحت الأرض. وتستخدم أيضا في الأساسات والأعمدة والأسقف والجدران الحاملة في المباني ذات الهياكل المعدنية والخرسانية.
ويمكن تركيب الجدران المنحدرة والصفائح السطحية وصفائح الكومبوزيت في أعلى المظلات المعدنية مع الخرسانة الخفيفة. إن هذا النوع من الخرسانة يمكن استخدامه أيضا في هياكل مثل الطوب الحائطي والألواح مسبقة الصنع والجدران الحاجزة والعزل الحراري للأسقف وعزل تمديدات شبكات المياه والهياكل السقفية ذي القشرة الرقيقة وأسطح الجسور وحالات أخرى.
مميزات ومساوئ الخرسانة خفيفة الوزن
إن الخرسانة الخفيفة هي مادة إنشائية مرنة وقابلة للحمل وبحاجة ضئيلة للإسناد مقارنة بمواد مثل الفولاذ أو الخرسانة العادية. وهذا يؤدي إلى أن تكون تكلفتها لا سيما في المشروعات الإنشائية الكبيرة، مجدية اقتصاديًا. إن الوزن المتدني لهذا النوع من الخرسانة يؤدي إلى خفض الحمل الميت للمبنى وهي ميزة مثالية للغاية بالنسبة للمناطق الزلزالية.
وفضلا عن ذلك، فان الخرسانة الخفيفة وبسبب موصليتها الحرارية الضئيلة ومقاومتها للنار، تعد مادة مثالية في عملية العزل إزاء الأضرار الناجمة عن الحرارة. وعلى الرغم من انخفاض الكثافة، فان الهياكل المصنوعة بهذا النوع من الخرسانة، من المستبعد أن تنهار. وفي الحقيقة، فان إحتمال انكماش الخرسانة الخفيفة أقل مقارنة بالخرسانة العادية، كما أنها تبدي مقاومة متزايدة تجاه التآكل وهجوم حشرات الأَرَض.
ومع ذلك، فان ثمة قيودا قليلة إزاء استخدام هذا المنتج. وبما أنها تملك محتوى مائيا أكثر، فان جفافها بحاجة إلى مدة أطول. وإضافة إلى ذلك، فان إضافة كمية كبيرة من الماء قد تؤدي إلى خليط أضعف بمقاومة انضغاطية أدنى. وبشكل عام، فان الخرسانة خفيفة الوزن، تحظى بمقاومة انضغاطية وشدّ وقطع أقل من الخرسانة العادية.
وبما أن الخرسانة الخفيفة مسامية للغاية، فان صبها في الموقع وإيجاد مشروع الخلط الدقيق صعب إلى حد ما. كما أن زحفان وانكماش الخرسانة الخفيفة، أكثر مقارنة بالخرسانة العادية، ويجب الانتباه إلى ذلك أثناء تصميم الهيكل.
صنع الخرسانة خفيفة الوزن
وحسب المقاومة اللازمة للمنتج النهائي، هناك تعليمات مختلفة لصنع الخرسانة خفيفة الوزن. إن الإفادة الأقل من الحصى تؤدي إلى خفة وزن المنتج، لكنها يمكن أن تجعل الخرسانة أضعف من الناحية البنوية. وثمة صيغة بسيطة للخرسانة الخفيفة، وهي تركيبة 8 أقسام رمل، 8 أقسام إسمنت، 8 أقسام برليت مع 5 أقسام ماء. وبوسعكم اعتماد هذه التعليمات والصيغ لمعظم الخلطات الخرسانة العادية.
ارتدوا كمامة دائما أثناء تصنيع الخرسانة لكي تكونوا بمنأى عن الأتربة والغبار. أضيفوا الماء ببطء ولطف إلى الخليط، لان الرطوبة السائدة في الجو، يمكن أن تشير إلى الحاجة إلى ماء أكثر أو أقل. إن نقص الماء يؤدي إلى زيادة غير معقولة في المسامية ونتيجتها تراجع مقاومة انضغاط الخرسانة. لكن الماء الزائد يؤدي إلى ضعف العجينة الإسمنتية وتبعثر مكونات الخرسانة.
وأخيرًا
إن الخرسانة خفيفة الوزن، تعد بديلا مجديًا اقتصاديًا للخرسانة العادية، خاصة لجهة أنها لا تعرض مقاومة الهيكل إلى مخاطر كثيرة. إن أهم خصائص هذا النوع من الخرسانة هي انخفاض وزن المبنى. وهذه الخاصية تعد ميزة كبرى لا سيما في المناطق الزلزالية. إن المسامية العالية لهذه الخرسانة تؤثر على موصليتها الحرارية، وتجعلها مناسبة للمشروعات التي بحاجة إلى عزل قبال الحرارة وأضرارها.
منابع :
Leave A Comment